الإنسان والعنف
محمد وقيدي
مالذي يمثله العنف في حياةالإنسان؟ هل هو حقيقة في كيان الإنسان لا خلاص له منها، أم مجرد إضافة على حقيقة الإنسان العميقة بفعل شروط ومحددات خارجية؟ لا نتصور الإنسان تبعا للفرضية الأولى بدون عنف تختلف أشكاله ومستوياته، بينما تدفعنا الفرضية الثانية إلى البحث في الشروط الخارجية التي ينبغي اجتثاثها للقضاء على مظاهر العنف لدى الإنسان على الصعيدين الفردي والجماعي• ما نفكر فيه الآن هو العنف الذي أصبح يحيط بحياة الإنسان من كل جهة ويتمظهر في جملة من المظاهر التي تلحق الأذى بالحياة الإنسانية، بل وتقضي عليها• ولاتسمح العجلة التي يطرح بها السؤال في هذه الحالة بالمضي في تحليل التوجهين التنظيريين اللذين يرجع أحدهما العنف إلى الإنسان ذاته ككيان، بينما يرجعه الآخر إلى الشروط الخارجية المحيطة به والمؤثرة في سلوكه• نوجز القول، مع ما سلف ذكره، فنؤكد أن ما يدعم الفرضية الأولى هو حضور العنف لدى الإنسانية على مدى تاريخها،إذ لم تخل فترة من تطور المجتمعات الإنسانية دون وجود مظاهر العنف في المستويات المختلفة للحياة المجتمعية، ولم يخل مجتمع من العنف مهما كانت الأسس التي يقوم عليها والعقائد والإيديولوجيات التي يتبناها•فللعنف،إذن، تاريخ في حياة المجتمعات من حيث إنه رافق تطوراتها، بل وكان من المؤثرات الفاعلة في تلك التطورات• ولن نغفل الإشارة إلى إن بعض فلسفات التاريخ أدمجت بعض مظاهر العنف، على الأقل، بوصفها عوامل فاعلة إيجابية في تطور المجتمعات، من حيث إنها ما يسمح بتطورات كيفية تخرج المجتمع من الرتابة التاريخية التي قد تمتد فيها على مدى زمن طويل إلى الحد الذي يكون معه التغيير مطلوبا ولا تكون هناك من طريقة لبلوغه غير العنف•ومن أبرز هذه النظريات، مع أنها ليست الوحيدة في هذا الاتجاه، النظرية الماركسية• فقد أكد ماركس أن صراع الطبقات كان دائما المحرك الأساسي للتطورات التي
عرفتها المجتمعات البشرية(1)• ودعم إنغلز هذا التصور بتخصيصه أحد مؤلفاته للبحث في دور العنف في التاريخ(2)• التاريخ،إذن، دليل على أن العنف كان باستمرار نمطا من السلوكات الإنسانية، سواء جاء بوصفه فعلا أو رد فعل على سلوك يصدر عن ذات فردية أو جماعية أخرى، أي سواء كان مظهره عدوانية ضد الغير أو دفاع عن النفس إزاء هذه العدوانية• ويجد الدليل التاريخي سندا له في الدليل الذي يقدمه البحث في علم النفس، وذلك حين التأكيد على أن العدوانية مكون من مكونات السلوك الإنساني بصفة عامة، وهو مكون لا يمكن اقتلاعه بصفة تامة من حياة الإنسان، ويمكن الاكتفاء بعد معرفة شروطه بالعمل على تجنبه أقصى ما يستطيع الإنسان فردا أو جماعة(3)• لدى الإنسانية إلى جانب العنف، الذي هو مكون من مكوناتها،رغبة في تجاوز العواقب الوخيمة له على حياتها• وهناك استناد إلى هذه الرغبة العميقة للعيش في سلام وبعيدا عن التدمير والتدمير الذاتي للحياة الإنسانية أمل في إمكانية التغلب على العنف• لذلك، فإنه بقدر ما يكون هناك سعي لتمثل أسباب العنف والشروط التي تحفز ظهوره لدى الإنسان، فإن هناك سعيا متواصلا للعمل على توفير الشروط المضادة للعنف ولآثاره التدميرية• إذا اتبعنا الطريق الذي يوجهنا نحوه الدليلان التاريخي والنفسي، بدا
العنف ظاهرة راسخة في الحياة الإنسانية الفردية والجماعية، إذ لاوجود لإنسان تخلو حياته من شروط نفسية تدفعه إلى ممارسة العنف فعلا أو رد فعل، كما أنه لاوجود لكائن مجتمعي تخلو حياته من الشروط المحفزة على ممارسة العنف داخل كل مجتمع أو بين المجتمعات المختلفة• لدى الإنسانية إلى جانب العنف، الذي هو مكون من مكوناتها،رغبة في تجاوز العواقب الوخيمة له على حياتها• وهناك استناد إلى هذه الرغبة العميقة
للعيش في سلام وبعيدا عن لدى الإنسانية إلى جانب العنف، الذي هو مكون منمكوناتها،رغبة في تجاوز
العواقب الوخيمة له على حياتها• وهناك استناد إلى هذه الرغبة العميقة للعيش في سلام وبعيدا عن التدمير والتدمير الذاتي للحياة الإنسانية أمل في إمكانية التغلب على العنف• مما يجعل من الصعب تفسير العنف منذ الملاحظة الأولى له أن للعنف علاقة مزدوجة بالإنسان: يصدر عنه ويكون بذلك الذات الفاعلة، ويتجه إليه ويكون بذلك الذات المنفعلة به والموضوع الذي تقع عليه آثار الممارسات العنيفة•وقد نتجت عن ممارسة العنف في المستويات المتعددة لحياة الإنسان أشكال مختلفة من السلوكات العنيفة التي لا تقبل أن تندرج جميعها ضمن نفس التفسير للظاهرة• ففضلا عن ضرورة البحث في العوامل الفاعلة في كل مستوى من مستويات العنف، هناك في الوقت ذاته تداخل قوي بين أسباب ظهور العنف في كل مظهر من مظاهر حياة الإنسان• لا نستطيع الآن أن نعدد كل أشكال العنف نظرا لكثرتها وتنوعها وتداخل عوامل تكونها•فليس عنف الحرب هو ذاته العنف المتجه من المجتمع إلى الفرد، ولا هو كذلك ذاته الذي يتبادله أفراد نفس المجتمع،وعنف الجريمة والجريمة الحربية والجرائم ضد الإنسانية، والعنف الذي أصبح يحيط بنا كل يوم في البيت والمؤسسات التربوية، ونشاهده في الملاعب الرياضية، ونعاينه في شكل عنف إرهابي ولا هو عنف الرموز والعنف المتضمن في اللغة، وغير ذلك مما ذكرناه من الأشكال التي يقتضي كل واحد منها دراسة خاصة به• ولكننا نستفيد من تعدد أشكال العنف واختلاف مكوناتها وشروط ممارستها، أننا أمام ضرورة التكامل بين مستويات متعددة من التحليل يلائم كل واحد منها مستوى من مستويات العنف، دون أن يكون هناك مانع لتداخلها في تحليل نفس
الظاهرة• كل محاولة لتفسير أشكال العنف كلها بإرجاعها على عامل واحد هي مجرد تعميم زائف قد يرضي حاجة آنسة لتفسير ما يجري أمامنا من أشكال العنف، ولكنه لن يكون الأساس الموضوعي لتمثل ظاهرة العنف في أشكالها المختلفة، ولا كافيا لرسم الطريق لتجاوز آثار العنف وضبط العوامل الحافزة على السلوكات العنيفة• الهوامش 1) عبر ماركس عن ذلك في كتابه: البيان الشيوعي• وللكتاب ترجمات عديدة إلى اللغة العربية اطلعنا منها على تلك الموجودة ضمن مختارات لماركس وإنغلز صادرة عن دار التقدم،موسكو• 2) اطلعنا أثناء إعدادنا لهذه الدراسة على ترجمة فرنسية لكتاب إنغلز: Friedrich Engels, Le rôle de la violence dans
l,histoire,éditions sociales,paris1962. 3) عبر فرويد عن نظريته
في أكثر من موقع، راجع منها بصفة خاصة كتابه: الموجز في التحليل النفسي•
2007/4/19